A review by moudi
موسم الهجرة إلى الشمال by الطيب صالح

emotional sad tense slow-paced
  • Plot- or character-driven? Plot
  • Strong character development? No
  • Loveable characters? No
  • Diverse cast of characters? N/A
  • Flaws of characters a main focus? N/A

3.0


حاولت قراءة الرواية ثلاث مرات و المرة الثالثة ثابتة ، لماذا المحاولة؟ لأن القراء الأجانب تكاد قلوبهم تذوب حباً للرواية ، ولأن أهل مكة أدرى بشعابها قررت النظر فيها . لكن لماذا الفشل في المحاولتين؟ السبب أدركته حين انتهيت.
❞ ونظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير، أنظر إلى جذعها القوي المعتدل، وإلى عروقها الضاربة في الأرض، وإلى الجريد الأخضر المتهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة، أحس أنني لست ريشة في مهب الريح، ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف. ❝

الراوي و المروي عنه وبينهما واقع السودان ، الراوي لا يذكر اسمه ويذكر أنه عاد من أوروبا حاملاً دكتوراة، له زوجة و بنت ووطن ينقسم إلى حاضرة و ريف ، المروي عنه مصطفى سعيد رجل غريب عن اهل الريف لا يعلمون عن ابتعاثه إلى أوروبا شيء ، له زوجة من بنات الريف و صبيين ولا وطن له حائر بين الشمال و الجنوب ، ثم أخيرا السودان.. الأرض التي يذكر فساد حزبها الاشتراكي لماماً كملء فراغ بين مسار الراوي و المروي عنه .
❞ ونحن في قمة المأساة صرخت بصوت ضعيف: "لا. لا". هذا لا يجديك نفعًا الآن. لقد ضاعت اللحظة الأخيرة حين كان بوسعك الامتناع عن اتخاذ الخطوة الأولى. إنني أخذتك على غرة، وكان بوسعك حينئذ أن تقولي "لا". أما الآن فقد جرفك تيار الأحداث، كما يجرف كل إنسان، ولم يعد في مقدورك فعل شيء. لو أن كل إنسان عرف متى يمتنع عن اتخاذ الخطوة الأولى، لتغيرت أشياء كثيرة. هل الشمس شريرة حين تحيل قلوب ملايين البشر إلى صحار تتعاور رمالها ويجف فيها حلق العندليب؟ وتريثت وأنا أمسح براحة يدي ظاهر عنقها ❝

يكتب الطيب بأسلوب جميل يعتمد على الشاعرية و المعاني الوجدانية، وهنا تتحول الكتابة إلى مشكلة حيث أن الراوي ليس قريباً من القارئ على عكس مصطفى سعيد الذي تصبح الكتابة معه نافذة تطل على شخصية عميقة تصارع عواطف عاصفة ، ليس لأن الراوي بارد في وصفه بل لأنه شخصية لا تصبح حقيقية في النص إلا لاحقاً ، لهذا وجدت نفسي انفصل مراراً عن النص حتى استطعت في القراءة الثالثة أن أكمل النص ، فإن تستطيع متابعة حديث شاعري لشخص لا تدري ماذا يريد فلن تجد صعوبة في القراءة.
❞ وسمعت منصور يقول لرتشارد: "لقد نقلتم إلينا مرض اقتصادكم الرأسمالي. ماذا أعطيتمونا غير حفنة من الشركات الاستعمارية نزفت دماءنا ولا تزال؟" وقال رتشارد: "كل هذا يدل على أنكم لا تستطيعون الحياة بدوننا، كنت تشكون من الاستعمار، ولما خرجنا خلقتم أسطورة الاستعمار المستتر. يبدو أن وجودنا، بشكل واضح أو مستتر، ضروري لكم كالماء والهواء". ولم يكونا غاضبين، كانا يقولان كلامًا مثل هذا ويضحكان على مرمى حجر من خط الإستواء، تفصل بينهما هوة تاريخية ليس لها قرار. ❝

الراوي يعود من اوروبا إذن يفترض أن نشاهد تأخر السودان الحضاري ،صح؟ خطأ ، الحديث عن السودان يأتي حين لا يدري الطيب عن ماذا يتحدث ، تركز الرواية على شخصية مصطفى سعيد حتى الراوي يدور في فلكه ، لكن المؤلف لا يريد حكاية رجل أفريقي عربي يواجه التصور الاستشراقي فقط ، يريدها عن الاغتراب أيضا ، لكنه لا ينفك عن حكاية مصطفى.
تطل السودان بهامشية، الشخصيات التي تعمل بالحكومة لا ننظر معها في اي شأن ، الشخصيات الأجنبية في البلد كذلك لا نلاحقها ، حتى القرية التي يعيش فيها الراوي لا نتجاوز فيها مجلس جده واذا تمشينا في الشوارع سمعنا أصوات مضاجعة و نهيق حمير! ، السودان أكبر .. السودان أعمق .. وحكاية الأحزاب الاشتراكية القومية حكاية طويلة مخيفة إن لم تملك الجرأة فلا تقترب ، أزعجني بحق اختصار الوضع السودان في الستينات بهذه الصورة.
❞ ‫ نظر إليّ دون عطف وقال "حين راح لها أبوها وشتمها جاءتني في البيت مع شروق الشمس، قالت تخلصها من ود الريس وزحمة الخطاب فقط تعقد عليها لا تريد منك شيئًا قالت: يتركني مع ولديّ، لا أريد منه قليلاً ولا كثيرًا، قلت لها لأ، ندخلك في المشاكل، نصحتها أن تقبل الأمر الواقع أبوها وليّ أمرها وهو حر التصرف وقلت لها: ود الريس لن يعيش إلى الأبد رجل مجنون وامرأة مجنونة ما ذنبنا نحن؟ ماذا كان بوسعنا أن نفعل؟ مسكين أبوها منذ ذلك اليوم المشئوم وهو طريح الفراش لا يخرج ولا يقابل أحدًا ماذا أفعل أنا أو غيري إذا كان العالم قد أصيب بالخبل؟ واتضح أن جنون بنت محمود ليس مثله في الأولين ولا الآخرين". ❝

لكن لماذا مصطفى سعيد؟ لأنه الصورة المعكوسة ، أنه الرجل العربي الافريقي الذي يذهب إلى الغرب ليكتشفه ، ماذا اكتشف؟ أجساد النساء طبعا ، وهل يمكن للرواية العربية الحديثة أن تكتب خارج العضو الذكري؟ ، مصطفى سعيد لا يقدم أي ملاحظات و مقارنات أي نقد أي فكر .. لكنه يقدم تصوير شاعري جميل للجنس ورغبة شهوانية لا تشبع مما يجعل حديثه عن الحب حديث منجمين حيث يصدق وهو كذاب .
زوجة مصطفى سعيد؟ هذه زلة المؤلف.
أراد الطيب الصالح أن يضع قليلاً من قضايا المرأة في النص لذا من هي أفضل مرأة في النص من زوجة التنويري؟ ، لهذا تواجه حسنة قضية الإجبار على الزواج وكسر كلمة الولي ، لكن المؤلف نسى زوجة الراوي ! كيف نجد رجل يشتهي امرأة أخرى ويفكر فيها وفي عطرها ولا نرى لزوجته سطر واحد في الرواية؟ لماذا أختار المؤلف أن يوجه طاقة العشق و الهيام للمرأة المحرمة بينما زوجته هناك وحدها تنتظر زوجها الدكتور ، زوجة الراوي لا يفكر فيها الراوي ولا يفكر فيها الروائي .. أوجدها فقط لكي يفكر بها الراوي كعقبه أمام طريقه لامرأة أخرى! ، مفارقة ساخرة أن تكتب عن قهر المرأة وأنت تمارس قهراً عليها في السرد .. أجعله أعزب أو دعنا نرى زوجته.

Expand filter menu Content Warnings